فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

من الناس من قال: من دخل دارًا وجب عليه أن يسلم على الحاضرين، واحتج عليه بوجوه:
الأول: قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا} [النور: 27] وقال عليه الصلاة والسلام: «أفشوا السلام» والأمر للوجوب.
الثاني: أن من دخل على إنسان كان كالطالب له، ثم المدخول عليه لا يعلم أنه يطلبه لخير أو لشر، فإذا قال: السلام عليك فقد بشره بالسلامة وآمنه من الخوف، وإزالة الضرر عن المسلم واجبة قال عليه الصلاة والسلام: «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه» فوجب أن يكون السلام واجبا.
الثالث: أن السلام من شعائر أهل الإسلام، وإظهار شعائر الإسلام واجب، وأما المشهور فهو أن السلام سنة، وهو قول ابن عباس والنخعي.
وأما الجواب على السلام فقد أجمعوا على وجوبه، ويدل عليه وجوه:
الأول: قوله تعالى: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}
الثاني: أن ترك الجواب إهانة، والإهانة ضرر والضرر حرام. اهـ.
قال الفخر:
منتهى الأمر في السلام أن يقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدليل أن هذا القدر هو الوارد في التشهد.
واعلم أنه تعالى قال: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} فقال العلماء: الأحسن هو أن المسلم إذا قال السلام عليك زيد في جوابه الرحمة، وإن ذكر السلام والرحمة في الابتداء زيد في جوابه البركة، وإن ذكر الثلاثة في الابتداء أعادها في الجواب.
روي أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم: السلام عليك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
وآخر قال: السلام عليك ورحمة الله، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وجاء ثالث فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال الرجل: نقصتني، فأين قول الله: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا} فقال صلى الله عليه وسلم: إنك ما تركت لي فضلا فرددت عليك ما ذكرت. اهـ.
قال الفخر:
إن شاء قال: سلام عليكم، وإن شاء قال: السلام عليكم قال تعالى في حق نوح: {قِيلَ يا نوح اهبط بسلام مّنَّا} [هود: 48] وقال عن الخليل: {قَالَ سلام عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} [مريم: 47] وقال في قصة لوط: {قَالُواْ سلاما قَالَ سلام} [هود: 69] وقال عن يحيى: {وسلام عَلَيْهِ} وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ} [النمل: 59] وقال عن الملائكة: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 23، 24] وقال عن رب العزة: {سَلاَمٌ قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [ياس: 58] وقال: {فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ} وأما بالألف واللام فقوله عن موسى عليه السلام: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل وَلاَ تُعَذّبْهُمْ قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ والسلام على من اتبع الهدى} [طه: 47] وقال عن عيسى عليه السلام: {والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: 33] فثبت أن الكل جائز، وأما في التحليل من الصلاة فلابد من الألف واللام بالاتفاق، واختلفوا في سائر المواضع أن التنكير أفضل أم التعريف؟ فقيل التنكير أفضل، ويدل عليه وجوه:
الأول: أن لفظ السلام على سبيل التنكير كثير في القرآن فكان أفضل.
الثاني: ان كل ما ورد من الله والملائكة والمؤمنين فقد ورد بلفظ التنكير على ما عددناه في الآيات، وأما بالألف واللام فإنما ورد في تسليم الإنسان على نفسه قال موسى صلى الله عليه وسلم: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} [طه: 47] وقال عيسى عليه الصلاة والسلام: {والسلام عَلَىَّ} [مريم: 33] والثالث: وهو المعنى المعقول ان لفظ السلام بالألف واللام يدل على أصل الماهية، والتنكير يدل على أصل الماهية مع وصف الكمال، فكان هذا أولى. اهـ.
قال الفخر:
قال صلى الله عليه وسلم: «السنة أن يسلم الراكب على الماشي، وراكب الفرس على راكب الحمار، والصغير على الكبير، والأقل على الأكثر، والقائم على القاعد».
وأقول: أما الأول فلوجهين:
أحدهما: ان الراكب أكثر هيبة فسلامه يفيد زوال الخوف والثاني: أن التكبر به أليق، فأمر بالابتداء بالتسليم كسرا لذلك التكبر، وأما أن القائم يسلم على القاعد فلأنه هو الذي وصل إليه، فلابد وأن يفتتح هذا الواصل الموصول بالخير. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} رد الأحسن أن يزيد فيقول: عليك السَّلام ورحمة الله؛ لمن قال: سلام عليك.
فإن قال: سلام عليك ورحمة الله؛ زدت في ردّك: وبركاته.
وهذا هو النهاية فلا مزيد.
قال الله تعالى مخبرًا عن البيت الكريم: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ} [هود: 73] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
فإن انتهى بالسلام غايته، زدت في ردّك الواو في أول كلامك فقلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
والردّ بالمثل أن تقول لمن قال السلام عليك: عليك السَّلام، إلاَّ أنه ينبغي أن يكون السَّلام كلّه بلفظ الجماعة، وإن كان المُسَلّم عليه واحدًا.
روى الأعمشُ عن إبراهيم النَّخَعيّ قال: إذا سلّمت على الواحد فقل: السَّلام عليكم، فإن معه الملائكة.
وكذلك الجواب يكون بلفظ الجمع: قال ابن أبي زيد: يقول المُسَلِّم السَّلام عليكم، ويقول الرادّ وعليكم السَّلام، أو يقول السَّلام عليكم كما قيل له؛ وهو معنى قوله: {أَوْ رُدُّوهَا} ولا تقل في ردّك: سلام عليك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وهذه الآية من آداب الإسلام: علّم الله بها أن يَردّوا على المسلّم بأحسنَ من سلامه أو بما يماثله، ليبطل ما كان بين الجاهلية من تفاوت السادة والدهماء.
وتكون التحيّة أحسن بزيادة المعنى، فلذلك قالوا في قوله تعالى: {فقالوا سلامًا قال سلام} [الذاريات: 25]: أنّ تحية إبراهيم كانت أحسن إذ عُبِّر عنها بما هو أقوى في كلام العرب وهو رفع المصدر للدلالة على الثبات وتناسِي الحدوث المؤذن به نصب المصدر، وليس في لغة إبراهيم مثل ذلك ولكنّه من بديع الترجمة، ولذلك جاء في تحيّة الإسلام: السلام عليكم، وفي ردّها وعليكم السلام لأنّ تقديم الظرف فيه للاهتمام بضمير المخاطب.
وقال بعض الناس: إنّ الواو في ردّ السلام تفيد معنى الزيادة فلو كان المُسلِّم بلغ غاية التحية أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإذا قال الرادّ: «وعليكم السلام» إلخ، كان قد ردّها بأحسن منها بزيادة الواو، وهذا وهم.
ومعنى (ردّوها) ردّوا مثلها، وهذا كقولهم: عندي درهم ونصفه، لظهور تعذّر ردّ ذات التحيّة، وقوله تعالى: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها} [النساء: 176] فعاد ضمير «وهو» وهاء «يرثها» إلى اللفظين لا إلى الذاتين، ودلّ الأمر على وجوب ردّ السلام، ولا دلالة في الآية على حكم الابتداء بالسلام، فذلك ثابت بالسنّة للترغيب فيه.
وقد ذكروا أنّ العرب كانوا لا يقدّمون اسم المسلَّم عليه المجرور بعَلى في ابتداء السلام إلاّ في الرثاء، في مثل قول عبدة بن الطيب:
عليك السلام الله قيس بن عاصم ** ورحمته ما شاء أن يترحّما

وفي قول الشمّاخ:
عليك سلام من أمير وباركت ** يد الله في ذاك الأديم الممّزق

يرثي عثمان بن عفّان أو عمَر بن الخطاب.
روى أبو داوود أنّ جابر بن سليم سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك السلام يا رسول الله، فقال له: «إنّ عليك السلامُ تحيةُ الموتى، قل، السلام عليك». اهـ.

.قال الفخر:

لنذكر المواضع التي لا يسلم فيها، وهي ثمانية:
الأول: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبدأ اليهودي بالسلام، وعن أبي حنيفة أنه قال: لا يبدأ بالسلام في كتاب ولا في غيره، وعن أبي يوسف: لا تسلم عليهم ولا تصافحهم، وإذا دخلت فقل: السلام على من اتبع الهدى.
ورخص بعض العلماء في ابتداء السلام عليهم إذا دعت إلى ذلك حاجة، وأما إذا سلموا علينا فقال أكثر العلماء: ينبغي أن يقال وعليك، والأصل فيه أنهم كانوا يقولون عند الدخول على الرسول: السام عليك، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وعليكم» فجرت السنة بذلك، ثم هاهنا تفريع وهو أنا إذا قلنا لهم: وعليكم السلام، فهل يجوز ذكر الرحمة فيه؟ قال الحسن يجوز أن يقال للكافر: وعليكم السلام، لكن لا يقال ورحمة الله لأنها استغفار.
وعن الشعبي انه قال لنصراني: وعليكم السلام ورحمة الله فقيل له فيه، فقال: أليس في رحمة الله يعيش.
الثاني: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب، فلا ينبغي أن يسلم لاشتغال الناس بالاجتماع، فإن سلم فرد بعضهم فلا بأس، ولو اقتصروا على الإشارة كان أحسن.
الثالث: إذا دخل الحمام فرأى الناس متزرين يسلم عليهم، وإن لم يكونوا متزرين لم يسلم عليهم، الرابع: الأولى ترك السلام على القارىء، لأنه إذا اشتغل بالجواب يقطع عليه التلاوة وكذلك القول فيمن كان مشتغلا برواية الحديث ومذاكرة العلم، الخامس: لا يسلم على المشتغل بالأذان والاقامة للعلة التي ذكرناها.
السادس: قال أبو يوسف.
لا يسلم على لاعب النرد، ولا على المغني، ومطير الحمام، وفي معناه كل من كان مشتغلا بنوع معصية، السابع: لا يسلم على من كان مشتغلا بقضاء الحاجة، مر على الرسول عليه الصلاة والسلام رجل وهو يقضي حاجته، فسلم عليه، فقام الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الجدار فتيمم ثم رد الجواب، وقال: «لولا أني خشيت أن تقول سلمت عليه فلم يرد الجواب لما أجبتك إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن سلمت علي لم أرد عليك».
الثامن: إذا دخل الرجل بيته سلم على امرأته، فإن حضرت أجنبية هناك لم يسلم عليهما. اهـ.

.قال القرطبي:

والاختيارُ في التسليم والأدبُ فيه تقديم اسم الله تعالى على اسم المخلوق؛ قال الله تعالى: {سَلاَمٌ على إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130].
وقال في قصة إبراهيم عليه السَّلام: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} [هود: 73].
وقال مخبرًا عن إبراهيم: {سَلاَمٌ عَلَيْكَ}.
وفي صحيحي البُخارِيّ ومسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله عزّ وجلّ آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال اذهب فسَلّم على أولئك النّفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيّونك فإنها تحيتك وتحيّة ذريتك قال فذهب فقال السَّلام عليكم فقالوا السَّلام عليك ورحمة الله قال فزادوه ورحمة الله قال فكل من يدخل الجنّة على صورة آدم وطوله ستون ذراعًا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن».
قلت: فقد جمع هذا الحديث مع صحته فوائد سبع: الأولى الإخبار عن صفة خلق آدم.
الثانية أنا ندخل الجنة عليها بفضله.